حديثنا معكم أيها الشباب عن فارس لا ككل الفرسان، إنه فارس في سن الشباب.
أنعم الله عليه بمظهر خارجي فائق الجمال، إنه الفارس الذي أثبت للبشرية جمعاء أن الإنسان يستطيع أن يثبت على طاعة الله وأن يرفض الانصياع وراء الشهوات حتى في أحلك الظروف وعند احتدام الخطوب.
إنه يوسف الصديق عليه السلام الذي ضرب للأمة بأسرها مثال الشاب الذي عرضت عليه الفتن وزينت له، فأبت نفسه الكبيرة أن تنصاع وراء الفتن والشهوات، يقول الله تعالى حاكيًا ذلك المشهد الجليل:
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].
(هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرًا، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة، لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته، فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعًا أو كارهًا.
وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرمًا في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك، أن {رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} أي: هو غلامها، وتحت تدبيرها، والمسكن واحد، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد، ولا إحساس بشر.
{وَ} زادت المصيبة، بأن {غَلَّقَتِ الأبْوَابَ} وصار المحل خاليًا، وهما آمنان من دخول أحد عليهما، بسبب تغليق الأبواب، وقد دعته إلى نفسها {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ، ومع هذا فهو يحتشم، وهذا غريب فهو في وطنه وبين معارفه، وهو أسير تحت يدها، وهي سيدته، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك، وهو شاب عزب، وقد توعدته، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن، أو العذاب الأليم.
فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه ـ وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله ـ ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة، و {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه.
وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه) [تفسير السعدي، (1 396)].
إرادة من حديد:
إن سيدنا يوسف عليه السلام استطاع أن يغلب جميع الأسباب الميسرة لفعل معصية الله تعالى، فمن هذه الأسباب:
(الأول: الطبيعة والجبلة: فلقد فطر الله الجنسين على ميل أحدهما للآخر، إلا من انتكست فطرته وتبدلت فيشتهي من جنسه.
الثاني: حيوية الشباب: ولاشك أن الشهوة عند الشاب تكون أكثر توقدًا منه عند غيره، ومن ثَم يكون الإمساك بزمامها من الصعوبة بمكان.
الثالث: توقان العَزَب: فيوسف كان عَزَبًا لم يتزوج بعد، وهذا أمر بالغ الأهمية، فالمتزوج قد يسَّـر الله له طريق الحلال.
الرابع: دفعة الغربة: فالإنسان عندما يكون غريبًا بعيدًا عن أهله، يكون مدفوعًا بحكم غربته إلى ممارسة ما يستحي من مقارفته بين عشيرته.
الخامس: سطوة الجمال والسلطة: فالمرأة كانت ذات منصب وجمال.
السادس: الرضا والقبول: فلم تكن المرأة ممتنعة ولا آبية، فإن مما يصد المرء أحيانًا عن المعصية أن تمتنع المرأة وتأبى.
السابع: كفاية مؤنة الطلب: فهي التي طلبت وأرادت وراودت وبذلت الجهد، فكفته مؤنة الطلب وبذل الرغبة.
الثامن: مسوغ دفع الأذى: فقد كان في دارها وتحت سلطانها وقهرها، بحيث يخشى إن لم يجبها إلى ما تطلب أن يناله أذاها فاجتمع له الرغبة والرهبة.
التاسع: أمن الفضيحة: إذ لا يخشى أن تفضح أمره لأنها الراضية الراغبة، فيزول لديه خوف الفضيحة ومعرفة الناس بما قارف من سوء.
العاشر: يُسـر النظر والاطلاع: قربه منها وكونه مملوكًا لها مما يؤرث طول الأنس، فهو يلقاها كل يوم ويراها.
الحادي عشر: الكيد العظيم: فلقد أطلقت عليه اللاهثات من صويحبات الكيد والمكر؛ فبعد أن راودته عن نفسه وامتنع استعانت عليه بالنسوة لتصيد عصفورين بحجر واحد؛ أن تكيد للنسوة بما قلنه في حقها وأن ستعين عليه بهن.
الثاني عشر: سوط الوعيد والتهديد: التوعد بالسجن والصغار؛ {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: ٣٢]، وهي تملك ذلك، فهي زوجة العزيز والأمر بيديها.
الثالث عشـر: دياثة وانحلال: أن الزوج لم يظهر الغيرة والنخوة التي تليق بالأزواج، فحين شهد الشاهد واتضح الأمر أمامه؛ قال هذا الزوج الديوث ليوسف عليه السلام: {أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: ٢٩]) [درس في العفة، محمد بن عبد الله الدويش، ص(3-4)، نقلًا عن الداء والدواء، ابن القيم، ص(148-149)، بتصرف].
العفة وعلاقتها بالحب:
إن عاطفة الحب توجد في جميع بني الإنسان, ولقد خلق الله الرجل فيحب المرأة، والمرأة تحب الرجل، ولكن هذه الطاقة الكبيرة التي تسمى بالحب لابد أن تكون في موضعها الصحيح, فلا يصرفها الإنسان في إشباع شهواته وغرائزه، فيكون والعياذ بالله كالحيوان الذي ما إن يشعر بالشهوة، تراه هائجًا يُكسر كل شيء أمامه.
لاشك أيها الشباب أن الحب حاجة من الحاجات الفطرية (فيحتاج الإنسان إلى أن يحبه الآخرون، وأن يحب الآخرين، وهو يشعر بالسعادة حينما يقترب ممن يحبه وحينما يشكو إليه ويحنو عليه، وهو يريد أن يشعر بحب الله له.
كما يريد أن يشعر بحب الناس، ودائمًا ما يفكر كيف يستطيع أن يصل إلى حب الآخرين؟ وكيف يكون مقبولًا لديهم؟ ولا يتحقق إشباع هذه الحاجة إلا في وسط اجتماعي يسوده الود والحب) [أبناؤنا في مرحلة البلوغ وما بعدها، د.شحاتة محروس طه، ص(26)، بتصرف يسير].
ولذلك نرى أن المراهقين يبدأون في حب الميل إلى الجنس الآخر(ويؤثر هذا الميل على نمط سلوكه ونشاطه، ويحاول أن يجذب انتباه الجنس الآخر بطرق مختلفة) [النمو النفسي للطفل والمراهق وأسس الصحة النفسية، د.محمد مصطفى زيدان، ص(160)].
سمات مرحلة المراهق:
نجد في مرحلة المراهقة أن انفعالات المراهق تنمو، فنجد أنه قد اكتمل لديه انفعالات الكبار (ولكن المراهق تنقصه الخبرة والتجربة، ويستولي عليه التغيير السريع المتتابع، ولهذا فإنه لا يستقر في انفعالاته ولا يكون واقعيًّا في التعبير عنها.
وهو إذا أحب أسرف وبالغ وتعلق بمن يحب، ويهيم به ويضحي من أجله، يملك عليه لبه ويستولي على حاله ومخيلته، وهو حديثه وشغله الشاغل، وهذا هو سر شيوع الحب والغرام في سن المراهقة) [المراهقون، دراسة نفسية إسلامية، عبد العزيز النغيمشي، ص(24-25)، بتصرف].
ولذا يجب ألا يكون هذا الميل إلى حب الجنس الآخر بابًا يؤدي إلى معصية الله تعالى ويصرف في الشهوات, فلابد أن يعلم الشباب أن عاطفة الحب هذه جعل الله لها مصرفًا حلالًا متمثلًا في الميثاق الغليظ، ما عدا ذلك يجب أن يتحلى المؤمن بالعفة وأن يجعل هذه الطاقة في طاعة الله تعالى، وخدمة دين الإسلام.
مدينة الأحلام:
"أحلام اليقظة" كثيرًا ما يستخدم علماء النفس هذا المصطلح، والذين يصفون بها حالة من الانعدام عن الواقع حيث يسرح المراهق في خيالات وأحلام، فيتخيل أشياء غير واقعية فمثلًا يتخيل بالعيش مع فتاة أحلامه يعيش معها ويمضي معها أحلى الأوقات.
وتلك الأحلام يدخل فيها جزء كبير من حب المراهق للميل للجنس الآخر، وبالتالي يمكن أن تكون هذه الأحلام سببًا أن يصرف الشاب شهوته فيما حرم الله تعالى كأن يفعل العادة السرية على سبيل المثال.
وأحلام اليقظة أيضًا في مرحلة المراهقة تكون غالبًا ما تحتوي على مشاهد العاطفة والجنس، يقول الدكتور يسري عبد المحسن: (وأحلام المراهق في تلك المرحلة غالبًا ما يكون محتواها جنسـي عاطفي، فيه من الخيال والرومانسية الكثير، كنوع من التعبير عن الطاقة الجامحة التي تكمن في داخله، والتي هي أساس من أسس مرحلة المراهقة؛ نظرًا لطبيعة النمو الجسدي والجنسي الهائل الذي يحدث بفعل الغدد والهرمونات في هذا السن.
وكثيرًا ما يحاول المراهق أن يشبع هذه الغريزة ببعض الخيالات وأن يغذيها بالأوهام والأحلام الوردية الجميلة) [المراهقات والطب النفسي، د.يسري عبد المحسن، ص(163)].
حب الشهوات والعفة:
ميلك أيها الفارس الهمام للجنس الآخر أمر فطري، وشعورك بهذه المشاعر والأحاسيس أمر لا دخل لك فيه، وبهذا أخبرنا ربنا تبارك وتعالى حين تكلم عن العلاقة بين الرجال والنساء، وكيف أن الميل بينهما وحب كل منهما للآخر من الأمور التي خلقها الله فينا.
يقول تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} [آل عمران: 14].
(فهي شهوات مستحبة مستلذة؛ وليست مستقذرة ولا كريهة، والتعبير لا يدعو إلى استقذارها وكراهيتها؛ إنما يدعو فقط إلى معرفة طبيعتها وبواعثها، ووضعها في مكانها لا تتعداه.
ولا تطغى على ما هو أكرم في الحياة وأعلى، والتطلع إلى آفاق أخرى بعد أخذ الضروري من تلك "الشهوات" في غير استغراق ولا إغراق، وهنا يمتاز الإسلام بمراعاته للفطرة البشرية وقبولها بواقعها، ومحاولة تهذيبها ورفعها، لا كبتها وقمعها) [ظلال القرآن، سيد قطب، (1 343)].
يجب أن تعلم أيها الشاب أنك في بعض الأحيان تميل إلى النساء بل بالعكس تحب هذا الميل، فلا تعجب من هذا فها هو النبي صلى الله عليه وسلم: (حبب إلي النساء والطيب وجُعلت قرة عيني في الصلاة) [صححه الألباني في صحيح سنن النسائي، (3940)].
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقر بالميل الفطري الذي يكون في الرجل للنساء، فها هو خير البشر وأطهرهم صلوات ربي وسلامه عليه يقر بهذا الميل الفطري الغريزي ولكنه يوضح أن هناك غاية كبرى وأمورًا أكثر أهمية تشغله وتطغى على كل حب في قلبه ألا وهي صلته بربه وعلاقته به سبحانه.
ماذا بعد الكلام؟
ـ تذكر أيها الشاب أن الحب طبيعة فطرية فيك، فلا تصرفه في معصية الله تعالى، فتجنب أي موقف يثير شهوتك، كأماكن تجمع البنات في الجامعة.
ـ ابتعد عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات والتي لا تأتي إلا بكل شر، فتجنب المشاهد التي تثير الشهوة.
ـ حافظ على غض البصر، فإنه الحصن الحصين ضد الوقوع في نيران الشهوات.
ـ ادعو الله تعالى أن يرزقك العفة.
المصادر:
• ظلال القرآن، سيد قطب.
• المراهقات والطب النفسي، د.يسري عبد المحسن.
• المراهقون، دراسة نفسية إسلامية، عبد العزيز النغيمشي.
• النمو النفسي للطفل والمراهق وأسس الصحة النفسية، د.محمد مصطفى زيدان.
• أبناؤنا في مرحلة البلوغ وما بعدها، د.شحاتة محروس طه.
• تفسير السعدي.
• درس في العفة، محمد بن عبد الله الدويش.
• الداء والدواء، ابن القيم.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام